سيكولوجيا داعش

سيكولوجيا داعش

مقدمة

تداعيات الثورة في سوريا قادت إلى بروز جيل ثالث من القاعدة، يختلف عمن سبقه. ولد هذا الجيل وولد معه في بداياته انشقاق حاد، بين فريق التزم حدود الدولة الوطنية وفق طريقة لم تقل بها القاعدة الأم (مالت إلى ذلك جبهة النصرة)، ومن ذهب إلى ما لم تذهب إليه القاعدة أيضاً، وهو إعلان الخلافة، وتحطيم كل الاعتبارات السياسية الحديثة. النموذج الأخير كان نجمه: تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، أو "الدولة الإسلامية" كما هي تسميته الأخيرة لنفسه، أو ما يسمى اختصارا بــ"داعش"، الذي حقق مؤخراً، إنجازا عسكريًا أشبه بالحلم؛ إذ تقدر مساحة الأراضي التي يسيطر عليها التنظيم بـ25 % من أراضي سوريا (185 الف كم)، و40% من مساحة العراق، أي وبحسب تقديرات غير دقيقة نحو (240 ألف كم)، ويقطن في هذه المنطقة (في ظروف طبيعية) نحو 10 مليون شخص.

إن الظروف التي دفعت إلى رفع السلاح من قبل المعارضة في سوريا، كانت مبررة، نتيجة إيغال النظام السوري في القتل والاستباحة، وهذا ما مثل فرصة لمقاتلي السلفية الجهادية للانضمام للثورة والتوافق مع جسد واسع من المقاتلين المحليين الذين آمنوا بنبل مقصد هذا القتال وأنه لدفع المعتدي ورد الصائل. كثير من هؤلاء لم يكونوا من الحالمين بإقامة دول جهادية مستقلة (على الأقل مرحليا)، ولذلك كان أفقهم السياسي الطبيعي يدفعهم لحصر قتالهم ضمن مفهوم الدولة القطرية التي ينتمون لها، أي قتال جهادي "وطني"، يعمل داخل الأوطان ويهدف إلى تغييرها مع احتمال المشاركة السياسية مع آخرين ولكن ضمن التيار الإسلامي. مختلف قوى المعارضة المسلحة الإسلامية تقارب هذا المسار الأخير، ونستثني من ذلك تنظيم داعش، وإلى حد ما جبهة النصرة التي شهدت تحولات جوهرية في الفترة الأخيرة، إذ تركت الانتعاشة العسكرية والمعنوية التي عاشها تنظيم داعش، وخطابه الجهادي المزاود تداعياتها على النصرة، ودفعتها بتأثير من شريحة "المهاجرين" فيها إلى تبني خطاب ونهج سلوك مختلف يبتعد عن نواظمها ومرتكزاتها التأسيسية، ويحاول استنساخ تجربة داعش والتمهيد لإعلان إمارة إسلامية خاصة بها في سوريا، وما انسحاب النصرة من الهيئات الشرعية في حلب وريف دمشق، واندفاعها لتشكيل قضاء وجهاز أمن خاص بها، والإطاحة بشرعييها السابق أبو مارية القحطاني( المعروف بانفتاحه على الآخرين وعدائه لتنظيم الدولة)، وتعيين شرعي جديد هو الأردني سامي العريدي (المعروف بتصلبه وتشدده، سواء في علاقة النصرة مع الفصائل الأخرى أو في قضايا إشكالية كتحكيم الشريعة) إلا مؤشرات توضح التغير الطارئ في النصرة لاستنساخ تجربة داعش.

إن تنظيم داعش، كظاهرة يتفحصها هذا البحث، من الصعب اعتباره وليدًا ممتدًا لأفق سياسي أو فكري أو شرعي محدد. بينما - وعبر ما يتبدّى من الأحداث المرتبطة به- نجده تنظيمًا يطغى عليه الرغبة في الفعل، وسرعة الحركة، بطريقة أشغل بها مقاتليه ومتابعيه. هذه الحركة السريعة للتنظيم تُرشح فرط ذاتية وعزلة يتمتع بها هذا التنظيم، الذي يعرف عنه التباعد عن التفاعل والتواصل سواء على مستوى الخطاب النظري أو الحركي في ميدان القتال. يضاف إلى ذلك، كون التنظيم لا يقدم فكرا ولا يجادل، عادة، عن مواقفه بطريقة صريحة، كما تجادل التنظيمات الإسلامية المقاتلة في العادة، كل هذا يجعل من المغري محاولة تعرف أقرب لهذا التنظيم، عبر تأمل الإطار المحيط بسلوكياته، والتي يكون جزء كبير منها نفسيا.

إن الضعف النفسي أو القوة النفسية، سواء على المستوى الجمعي أو مستوى الأفراد، تعتبر حافزاً ذا أولوية لهذا الكيان أو ذاك، وقد تتبادل الأمور النفسية الحافز والأدوار مع التطرف الديني، وقد يعبر كل بُعد منها عن نفسه في الآخر. نحن نجادل هنا أن العنف مسألة نفسية قبل أن يكون مسألة قوة. في حكاية داعش وتمظهراتها، كثير من التحليلات تركز على تتبع البعد السياسي، أو تحليل البينة التنظيمية، وهي أمور مهمة يحاول هذا البحث أن يضيف لمتابعاتها بُعداً آخر، وهو ملامح البنية السيكولوجية لداعش، لكن قبل ذلك، لابد من حديث مطول يرصد ظهور الجيل الثالث من القاعدة، والسياقات التي أنتجت داعش، التنظيم الذي يرى في نفسه دولة خلافة جديدة.

 

 

لتحميل الدراسة كاملة

اضغط هنا للتحميل

عبدالعزيز الحيص
عبدالعزيز الحيص
مهتم بعلم الاجتماع السياسي